كانت مساجد ذات يوم
هو ثاني أكبر المساجد المصرية بعد مسجد الفسطاط ويحمل الصحابي الجليل، وقد أنشئ بعده بعام واحد، والاثنان على طراز المساجد التقليدي آنذاك؛ فقد اُنشئ من طوب الآجر وعروق الخشب، ويتكون من صحن مكشوف تتوسطه قبة الوضوء- كما يبدو في الصورة (1) ... تحيط بهما الأروقة من الجهات الأربع، أهمها رواق القبلة الذي يضم أربعة صفوف من الأعمدة والعقود يتوسطها مجاز، أما الأروقة الثلاثة الأخرى فيحوي كل منها صفان.
وبهذا المسجد مزية نادرة، فقد شيدت جدرانه بحيث يواجه كل منها أحد الجهات الأصلية الأربع تماما؛ لذلك جاءت قبلته في وضع غريب في الزاوية الجنوبية الشرقية عند التقاء الضلعان الجنوبي والشرقي.
وكما عانت دمياط من موجات الغزاة بسبب موقعها المتقدم، عانى معها المسجد من اعتدائهم عليه، وحرم أهلها من مسجدهم الجامع لعقود، فمن حرق علي يد الغزاة البيزنطيون عام 853م ، الي تحويله الي كنيسة علي بد ملك بيت المقدس "جان دي بريين" عام 1219م، ومن قبل ذلك قطعوا منبره الأبنوسي، فاحتفظ بعضهم بأجزاء منه وأرسلوا البقية مع المصاحف إلى البابا وملوك أوربا كتذكار علي فعلتهم، فلما جلوا عن دمياط عاد مسجداً من غير منبره النادر.
وكأن ذلك لم بكن كافيا، فبعد سيطرة ملك فرنسا لويس التاسع على دمياط 1249، حوله مرة أخري الي كاتدرائية أقام بها حفلات دينية كبري كان يحضرها نائب بابا روما، بل عمد فيها طفله "ثريستان" في العام التالي علي الغزو... علامة علي توليه ملك هذا البلد عندما يكبر.
مساجد الاندلس
دامت الحضارة الإسلامية في الأندلس منذ عام 711م حتَّى سقطت علي يد الإفرنج عام 1492م، فأصبح أهلها بين خيار الخروج من الإسلام أو الخروج من البلاد هربا من التنكيل ، وامتد التنكيل الي عشرات المساجد فمعظمها هدم مما لامجال لحصره ، أوتحول الي كنائس، خاصة ذات المعمار العظيم، وهذا اشهرها بترتيب زمني
مسجد قصر الحمراء Alhambra Mosque
و مع سقوط الأندلس عام 1492 على يد الممالك الأوروبية ، هدمت الكثير من المساجد مع سعي الحكام الجدد لمحو كل أثر للإسلام، وان أبقوا على قصر الحمراء ومسجده لتميزهما المعماري شديد الأناقة، فكان بذلك آخر مساجد المسلمين في الاندلس الذي يقع في أيديهم ،وكان ذلك يوم تسليم أبي عبد الله الصغير لغرناطة للفرديناند و زوجته، و على أنقاضه قامت اليوم كنيسة سانتا ماريا صاحبة الحمراء " Santa Maria de la Alhambra" ، وان بقي القصر من أهم المعالم الأثرية في إسبانيا وواحدا من ضمن مواقع التراث العالمي
تاريخ تشييد هذا المسجد والقصر يثير التعجب، اذ شرع فيه الملك أبو عبد الله
بن الأحمر وقت سقوط قرطبة واشبيلية ولم يخف الي نجدتهم، وقد أقيما جنوب غرناطة على
قمة تلة السبيكة، ليطلا على كل أنحاء المدينة، واستمر البناء أكثر من 150 عاماً،
وزينته الزخارف الدقيقة والآيات القرآنية والمدائح النبوية، كما ضمت جدرانه
وأعمدته قصائد شعرية ترجع للعصر الذهبي للأندلس.
*****
مسجد قرطبة الكبير- The Great Mosque of Cordoba
شاهد فيديو مسجد قرطبة الكبير ، عام 786م
أما اشعاعه الثقافي ففاق أثره المعماري...إذ كان جامعة زمانه، ليس في علوم
القرآن والفقه والتفسير والحديث فقط، بل أيضا في علوم الفلك والرياضيات والفيزياء
والكيمياء والجغرافيا والمنطق والأدب، وتذكر سجلاته أنه شهد عدد 27 مدرسة في عهد
الخليفة الحكم ضمت ما يقرب إلى 4000 طالب في وقت واحد.
وكان الشعراء يلقون قصائدهم بالساحات الخارجية للمسجد.. الذي كان
وسيلة الإعلام الأساسية للدولة، حيث يتم من خلاله إعلان القوانين والمراسيم
الجديدة، والإعلام بالمناسبات والأعياد الدينية والاحتفالات.
بدأ تشييد هذا الجامع العظيم الخليفة أبو يوسف يعقوب، ساعيا أن يفوق به معمار جامع قرطبة عظمة وبهاء، فجاءت قبته بهيكلها وزخارفها من أجمل قباب العمارة الإسلامية، ثم شُيدت المئذنة بعد النصر في موقعة الأرك عام 1195م، لتفوق مئذنة جامع قرطبة ارتفاعاً، وكعادة تخطيط المدينة الإسلامية كانت كل طرق المدينة تتشعب من والي ساحة المسجد وفي مواجهة بواباته الكبيرة، وما زالت بعض الطرق تحتفظ بتخطيطها القديم، ممتدة من طرف إلى آخر بالمدينة مارة بالمسجد.
ولقد بقي الجامع حتى سقوط إشبيلية علي يد فرناندو الذي أمر بتحويله إلى كنيسة، فتعرض لتغييرات فنية واضافات من قبل الملوك المتعاقبين، وأقيم لبعضهم أضرحة في أروقته، منها قبر يضم رفات فرناندو نفسه، أما المئذنة فقد تحولت عام 1246 إلى برج للنواقيس، ملحق بالكنيسة، ثم اضيف اليها طابقاً جديداً عام 1567م ، وهي تعد حالياً من أكبر كاتدرائيات أوربا ، كما اختيرت سنة 2007 لتكون احد كنوز إسبانيا الاثني عشر حسب تصنيف اليونسكو.
هو تحفة معمارية فريدة من الإرث العثماني في تصميمه وبما ضم من النقوش الرائعة من آيات قرآنية وزخارف، تصحب الزائر من مدخله الرئيسي الي الأروقة وصالات المسجد والأسقف ذوات الطابع الاندلسي الذي يبرز في المئذنة المربعة وواجهات الحجر الملون، إضافة الي مئذنتان مثمنتان من الطراز المملوكي تحيطان بمدخله، وزخارف بيزنطية من بقايا الفرنسيين، وأعمدة من الرخام الأبيض تعود إلى المسجد الأصلي.
كان للمسجد المهدوم إضافة الي منزلته الدينية قيمة تاريخية ومعمارية لا تعوض، فقد شيده أول امبراطور مغولي يحكم الهند عام 1528، ورغم بنائه علي نسق عمارة المساجد السائد في سلطنة دلهي قبل قدوم المغول، الا أن خصائصه المعمارية تشي بعبقريه البناء حسب "غراهام بيكفورد"، مهندس الحاكم البريطاني للهند أوائل القرن التاسع عشر: "بالنسبة لبناء في القرن السادس عشر، فإن انتشار الصوت من المنبر الي أخر ركن في المسجد بوضوح سيذهل الزائر"، وقد الدارسون هذه الميزة الصوتية المثيرة للاهتمام إلى تجويف المحراب والعديد من التجاويف في الجدران المحيطة التي عملت كمكبرات طبيعية، كما كان حجر البناء الرملي صفات رنينية ساهمت في دعم هذا التصميم الصوتي.
أما العناصر الإسلامية الكلاسيكية كالسقف المرتفع والأقبية والقباب، إضافة الي ستة نوافذ كبيرة مغطاة بمشربية جصية، فسمحت بالتهوية والاضاءة الطبيعيين، كما عملت كنظام تحكم بيئي يحافظ على برودة الداخل من الطقس المحيط شديد الحرارة.
مسقط أفقي مسجد بابري يبين القباب الثلاثة علي طول جدار القبلة
يتكون المسجد من ثلاثة فراغات مقبية على طول جدار القبلة، مشيدة علي تل مرتفع عما حوله، مع صحنان ملاصقان يفصلهما صف من العقود الحجرية كما يبدو من مسقطه العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق