العمارة في مواجهة الكورونا
والعالم يعدد أدواته للتعامل مع الجائحة... حتي لو قل خطرها أو حتي انحسر، يقلب المهندسون ايضا في الخبرات الانسانية السابقة ويستدعون العلم والخيال لوضع ملامح مباني ومدن المستقبل القريب، تكون قادرة على الحياة في وجه هذا الفيروس أو شبيهه، فان "الحياة أقوى من المرض" كما يقول غارسيا ماركيز في روايته: "الحب في زمن الكوليرا"، وهذه الجائحة لا تختلف عن تحديات الطبيعة الأخري، سوي أنها تتعلق بالصحة العامة، والحلول يجب أن تراعي ذلك في نهاية المطاف.
اذا كانت الثورة الصناعية جعلت شكل العمارة يتبع الوظيفة وابعدها عن الطرز الكلاسيكية، فلا شك أن في عمارة مابعد الجوائح يتبع الشكل والوظيفة معا معايير تجنب العدوى، فكيف سيرسم هذا الوباء الجديد ملامح التصميمات القادمة ؟
مكاتب العمل مع مباغتة الجائحة ثم الحاجة الي فتح المتاجر والمكاتب اتخذت ترتيبات سريعة كالأقنعة، والتباعد الاجتماعي والسواتر المؤقتة بين العاملين (مثال الصورة)، وذلك لاستمرار الحياة مع تجنب موجات فيروسية جديدة |
هل أصبحت المكاتب المفتوحة من الماضي؟
وإذا كان بعضنا اضطر لعزل نفسه عن
عائلته الخاصة فهل سنكف عن العيش معا، أم سنحتاج الي مساكن ذات غرف أكثر... حتى
ولو تكون أصغر حجما؟ وهل علينا توسيع ممرات المشاة والأرصفة حفاظاً على مسافة آمنة؟
وحدة تواصل اجتماعي تعزل الاطفال عن ذويهم كبار السن
أثاث حدائق
في الصورة العلوية المسافة الآمنة بين الأشخاص حسب مراكز الأبحاث
والصورة في الأسفل تحسب المعادلة الأسية لزيادة عدد المصابين بزيادة المخالطة
لكن ماذا عن التجمع داخل المصاعد، وماذا عن أنظمة النقل الجماعي التي لاغني عنها؟ فهي ليست فقط تحد من العادم وأكاسيد الكربون كانت لتضخها السيارات الخاصة لنقل نفس العدد، بل كذلك ان الوسائل ذات القضبان الحديدية وعجلات السكك والصلب مثل مترو الأنفاق تقلل من جزيئات (PM2.5 ) المسؤلة عن أمراض الرئة المنبعثة من العادم وتآكل الإطارات، فكيف اذا سيدخل ويخرج الركاب منها وإليها في المحطات، وكيف نحمي الموظفين وكيف ننظف أماكن الركوب، وهل تكفي ألات التطهير بالرش للقضاء علي الفيروس: شاهد الفيديو
شكل المباني بعد الكورونا
يقول أرجون كايكر (Arjun
Kaicker) الباحث في شركة زها حديد
للهندسة "ستكون المباني الشاهقة أكثر تكلفةً لناحية البناء والنتائج أقل
فعاليةً"، فهل بالفعل أصبحت الأبراج الشاهقة جزءا من الماضي؟ وصارالمستقبل للمباني
المنخفضة الارتفاع، التي ستمتد أفقيا الي الضواحي بعيدا عن الزحام؟ أم أن العكس هو
الصحيح، أي تصبح ناطحة السحاب «مدينة» مكتفية ذاتياً – وهل تتقلص الأسواق والمراكز
التجارية التي يرتادها المشترون لحساب التجارة الإلكترونية، ام تتسع لتتيح مسافة
آمنة بين المتسوقين؟
الاهتمام بتصميم التهوية والاضاءة الطبيعيين
مهما تكن توصيات الباحثين فعلي مباني المستقبل الاهتمام بالإضاءة والتهوية الطبيعيين على حساب الإنارة الكهربائية ونظم التبريد المركزي، بغض النظر عن مستواها الاجتماعي؟ وهذه ان تكن ملامح معمارية إلا أنها نصائح للباحث عن مسكن في المقام الأول، إذ أن اتجاهات المشترين هي التي تقود المصمم ومستثمري البناء.
هل يُسَرع الفيروس تبني المباني الذكية؟
هل أصبحت المنازل والمكاتب الذكية ضرورة لتقلل تعرضنا للمس الأبواب والضغط على أزرار الكهرباء
والمصاعد، أو لمس الأسطح التي قد تكون ملوثة، وبالتالي التعرض للعدوي...
ويضيف كبير الباحثين في مؤسسة زها حديد في هذا الخصوص قائلاً: " لقد بحثنا في تقليص الاتصال المباشر مع الخدمات المجتمعية بدءاً من الشارع إلى محطات العمل." فالمصاعد سيتم طلبها من الهواتف الذكية كما التحكم بالسواتر ومصابيح الإضاءة والتهوية وطلب القهوة. وسيكون المستقبل الخالي من اللمس سيد الموقف في ظل انتقال 80% من الأمراض المعدية عبر لمس الأسطح الملوثة.
هل من مبيد بيولوجي للكورونا؟
وان كان لامفر من لمس الأسطح والأدوات أحيانا، فهل نعود لنهج القدماء في استعمال المواد ذات التأثيرالقلوي كما وردت في (الديناميكيات اليونانية)، أو استمعادن بعينها كالنحاس والفضة التي استخدمها الهنود في ادوات الجراحة كما سجل كتاب الطب الهندي القديم (Sushruta Samhita)،أو حتي أمثلة القرن الماضي من برونز المقابض ودرابزين السلالم في المحطات والمحلات ، التي ثبت لها خصائص متأصلة في قتل البكتيريا ( Oligodynamic Effect ) ، وتعقيم نفسها ذاتيا في غضون ساعتين أو أقل، فتساعد بذلك في تقليل معدل انتقال الفيروسات التاجية بما فيها المسبب للكورونا، وقائمة هذه المواد تطول لتضم كذلك النحاس وسبائكه ، كالنحاس الأصفر(Brass )، والزنك، ومواد تشطيبات معمارية مثل طلاء مكونات ثاني أكسيد التيتانيوم (TiO2) وهكذا- وصولًا إلى علوم النانو
خاتمة
تتمحور الحلول والمقترحات سواء المطروحة أو السابحة في الفضاء الالكتروني في الأغلب علي مشاكل المجتمعات والاماكن الأقل تضررا نسسبيا، رغم أن الوباء ضرب بشكل مأساوي المجتمعات الفقيرة والاماكن المزدحمة والعشوائية، وهذا مرة أخرى موازٍ آخر للجائحة يتطلب تغييرًا هيكليًا في طريقة تناول المشكلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق