ساحل الريفيرا (2)
كان قطار موناكو ممتلئاً عن آخره بالعاملين الذين يقطنون نيس حيث السكن أقل بأربعة مرات، بينما المسافة لا تزيد عن كيلومترات... يقطعها البعض بالدراجة، تفع المحطة وسط موناكو تماما؛ فمرسي اليخوت الشهير عبر الشارع، وتلة مونتي كارلو تطِل علي المحطة بتمثالٌ منحوتٌ "للقديسة المكرسة" أيقونة موناكو، وبجواره كنيستها العتيقة من القرن السادس عشر، أما هضبة قصرالامارة فعلي بعد دقائق سيرا الي اليمين.
هضبة مونتي كارلو تعلو محطة القطار وكنيسة السيدة المكرسة
سميت موناكو تمينا بالاله هرقل موناكوس ستة قرون قبل الميلاد أيام الغزو الروماني، وهي تتكون الآن من عشرة أقسام منها عاصمتها بنفس الاسم "موناكو فيل" وكذلك مونتي كارلو التي كنت حتي الاسبوع الماضي امارة مستقلة.
هضبة الريفيرا الساحرة
بدأ تغيير الحرس قبل منتصف اليوم
بخمس دقائق، الوقت الذي لم يخلفه منذ قرنين، الجند في زي الشتاء الأسود يخطو
علي وقع الطبول مسترشدا بأشكال مرسومة على أرض الساحة، ينقلون البنادق من كتف لآخر
ويخفضونها مع النفير، حتى حل الحرس الجديد محل المنتهي نوبته ودقت ساعة البرج
الثانية عشر، ورغم بساطة المراسم مقارنة بأُخري كتغيير حرس
باكنغهام مثلا، الا أنه يناسب امارة صغيرة لا يزيد حرسها عن المئة الا قليلا، والشرطة عن أربعمائة من الجنود والضباط من كل الرتب.
بدأ تغيير الحرس قبل منتصف اليوم
بخمس دقائق، الوقت الذي لم يخلفه منذ قرنين، الجند في زي الشتاء الأسود يخطو
علي وقع الطبول مسترشدا بأشكال مرسومة على أرض الساحة، ينقلون البنادق من كتف لآخر
ويخفضونها مع النفير، حتى حل الحرس الجديد محل المنتهي نوبته ودقت ساعة البرج
الثانية عشر، ورغم بساطة المراسم مقارنة بأُخري كتغيير حرس
باكنغهام مثلا، الا أنه يناسب امارة صغيرة لا يزيد حرسها عن المئة الا قليلا، والشرطة عن أربعمائة من الجنود والضباط من كل الرتب.
ساحة قصر الامارة
بُنيَت أول مباني القصر (سيرافالي) كحصن متقدم للدفاع عن جنوة...حتى تسلل النبيل فرنسوا غريمالدي مع اتباعه في زي رهبان ليستولي عليه باسم الكرسي البابوي، ومنذ القرن الثالث عشر وتاريخ القصر مرتبط بالغريمالدي... تتعاقب عليه إضافاتهم كونه مقر الحكم وسكنهم الوحيد في نفس الوقت، حتى انتهي الي هذا المزيج من عمارة الحصون، وطرازي عصر النهضة الوقور والباروك الغني بالتفاصيل... تلتف جميعها حول أهم مزارات موناكو السياحية (Place du Palais)، وفي النهاية فالقصر هو الاصغر على الاطلاق بين قصور الحكم في أوروبا.
داخل قصر موناكو
وعندما يكون العلم منخفضا على سارية البرج علامة غياب الأمير، تُفتَح أبواب القصر للعامة ليشاهدوا ما يضم من تحف وقاعات تفوق الستة يوروهات ثمن التذكرة، منهاعشرات الآلاف من تذكارات نابليون، وكنيسة يوحنا الملحقة بالقصر بما تضم من أيقونات، وقاعة المرايا المبهرة... تشبه تلك التي في قصر فرساي، والصالون الأزرق وقاعة الديباج الحمراء... بما فيهم جميعا من ديكور ولوحات كبار التشكيليين، ثم أكبر غرف القصر...غرفة العرش يتوسطها كرسي العرش بمظلة من الحرير الأحمر وتاج ذهبي، يعلوهم رسم بكامل السقف يصور استلام الإسكندر لعرش الإمبراطورية، ، وأخيرا غرفة النوم الملكية تزين جدرانها جدارية الفصول الأربعة، ثم الأثاث من العصور الفرنسية الثلاث الشهيرة لويس الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، متعة حقيقية لهواة الفن والعمارة.
هذاهوالجزء الحكومي من القصر، أما الخاص فتسكنه أقدم عائلة مالكة في أوربا هم اخوة الأمير ألبرت وزوجته، وقد عدل أباه الأمير السابق الدستور ليسمح للإناث بتولي الامارة عندما رُزقَ بابنتين مع ألبير.
تساءلت صحيفة الاندبندنت قبل سنوات هل يشهد قصر غريمالدي ذات يوم أميرا أسمر البشرة؟ وكان الأمير ألبير قد اعترف بأبوته لألكسندر طفلهُ من مضيفة الطيران "نيكول كوست" التوجولية الأصل فانتقل بهذا الاعتراف من وضعية الابن اللقيط الي الشرعية
على بعد خطوات من الميدان كاتدرائية موناكو - الرسمية لمناسبات الغريمالدي الدينية، والتي بها دفن الأمير رينيه وزوجته النجمة جريس كيلي، ثم حديقة "إكسوتيك" على منحدر البحر الاحاد بنباتات جلبت من انحاء العالم، كالغار الكرزي من اليابان والصبار من جزر الكناري وشجرة الفيل الهندية التي تشبه أوراقها اذان فيل ضخم.
فاذا استرحت على أحد مقاعدها المطلة على المتوسط وحولك طيور النورس القادمة مثلك من سفر طويل، لا تُطل الراحة رغم روعة المنظر... فمازال بالإمارة الكثير... الهضبة نفسها لا تقتصر على المباني الشهيرة، بل ان حيها السكني المحيط بساحة القصر بمبانيه البسيطة والمطلية بالألوان الباهتة من الاصفر والزهري... ودرفات نوافذها باللونين الأحمر والأخضر الباهت كذلك، كأنها لوحة رسمت بألوان باستيل بيد فنان.. وليس بيد عامل دهان.
لكن حتى من لا تستهويه المتاحف سيبهره متحف علم المحيطات الشهيرالذي يشرف علي
البحر من منحدر شاهق بارتفاع خمس وثمانون مترا وواجهة مليئة بتفاصيل الطراز
الباروكي الجديد، وبعد جولة حول المبني من الخارج والداخل لا تعجب أن بناؤه استغرق
أحد عشر عامًا ومائة ألف طن من حجر الألب القريب.
وفي
هذا المتحف...كما في أنحاء عدة من الامارة تظهر أيادي الغريمالدي، فقد بناه الأميرألبرت
الأول الذي كان شغوفا بالملاحة وعلوم المحيطات... ووضع في إفريز الواجهة عشرون
سفينة بحثية معروفة اختارها بنفسه، ثم أضاف رينيه الثالث عام 1957 بحيرة القرش،
تشاهد مع عروضايضاحية لصيدها الجائر رغم دورها
في التوازن البيئ ، لتندد صورتها النمطية كأسماك قاتلة، فتعلم أن الانسان
هو أخطر علي حياة تلك الأسماك منها على حياته.
*****
شوارع موناكو حلبة سباق ومنصة الجمهور
هذه الحلبة هي أكثر مراحل السباق اثارة بسبب
المنحنيات والارتفاعات والمسار الضيق الذي يستحيل فيه على المتسابق تخطي الذي
أمامه، ثم نفقاً يتحدى السائق بالتباين بين ظلمته وضوء النهار...تحديا ليس من قبيل
الدعاية التشويقية فقد أودي بالنمساويين راتزنبرجر وآيرتون سينا عام 94، وهما من
أكثر السائقين خبرة...فهذا الأخير لم يتخط أحداً رقمه القياسي حتي بعد وفاته من
ربع قرن، وكان سبقهما الإيطالي الليبي "لورنزو بانديني" في مأساة
أخري، فليست طرفة قول النقاد : "لولا أن موناكو أدرجت قديما لما أدرجت اليوم
بسبب المخاطر المحيطة بالحلبة التي لا تتطابق وقوانين السلامة الجديدة للاتحاد
الدولي"
ومرة أخري يُري دعم الأمير رينييه الثالث لهذه
الرياضة وشغفه بجمع السيارات منذ شبابه، حتى تجاوز عدد مجموعته النادرة المئة
سيارة واستمرت في الزيادة، ثم قرر عام 1993 ان يشرك الجمهور في شغفه هذا بعد أن
ضاق عليه مرآب القصر، فنقل مجموعته الي متحف عام مضيفاً مزاراً جديدا الي معالم موناكو
يبهر السائح وهو يمر بمجموعة من موديلات من عام 1903... وسيارات تسابقت في
الفورميلا في أعوام مختلفة وسيارات الزفاف الملكي... الخ، وهذا المتحف في منطقة
"فونتفيل" غير بعيد عن القصر، فلا ينبغي على محبي السيارات وجمال
التصميم بشكل عام أن يفوتوا هذه المجموعة الفريدة من نوعها عالميا.
كما لا تنقطع المسابقات الرياضية الأخرى التي تتابعها الصفوة عن الامارة علي مدار العام... وجُلها من الجوائز الكبرى كماسترز التنس والجولف والمباريات الدولية للملاكمة، و بالطبع لن يفوتها بطولات ألعاب الورق كالبريدج وجولة البوكر الأوروبية وما شابه، فلا ينقطع بالتبعية توافد أثرياء العالم علي الامارة.
المدافع العتيقة لهضبة موناكو تطل علي المدينة
لباص المفتوح (Hop- on-off) مع دليل سياحي وسيلة مريحة لرؤية المزارات الشهيرة، وتدوم هذه
الرحلة ساعتين بثلاثين يورو، لكن يمكن أيضا تجربة المواصلات العامة التي هي
أجمل ما في الريفيرا جميعها، فثمن التذكرة يورو ونصف من أول المدينة الي أخرها، بل
تظل صالحة لساعة وربع أو أكثر طالما ظللت راكبا، حتي لو بدلت من باص لآخر أو حتي
الي الترام، سوف يتيح ذلك مسارا أكبر من السياحي شريطة أن تكون أنت دليل نفسك
فتقرأ مسبقا عن المدينة ( مثال: الباص رقم 2 يصل الي أخر المدينة عند متحف
الانثروبولوج (Musee D’Anthropologie
Prehistorique). ، أتاحت لي هذه الجولة في سفرات أخري رؤية حقيقة المدينة
وراء البرنامج المثالي.. بما فيها من عيوب، أما في موناكو فلا تزداد الا إعجابا
الحافلة المفتوحة تجوب شوارع هضبة موناكو
كلما تعمقت الحافلة، ستريكيف تصرف المهندسون مع طبيعة حادة لسفح جبال الالب التي لم تترك الا شريطاً ساحليا ضيقاً؟ تبدو الحياة سلسة رغم الشوارع المنحدرة والمنحنيات المفاجئة، فلمعظم البنايات حدائق ومداخل للسكان وأُخرَ لمرائب السيارات، بل قد زادت المدينة جمالا بتباين المناسيب بين مواقع البناء (Contour )
خاتمة:
أثري الموقع الفريد في مهب الغزوات الإيطالية والإسبانية مباني موناكو بطرز متنوعة بالنسبة لبلد صغير، ناهيك عن الطرز الفرنسية الكثيرة في حد ذاتها، فتري طرز القرون الوسطى كبرج مسرح فورت أنطوان، ثم طراز جنوة في مثاله الأبرز قلعة موناكو، ثم عصر النهضة ثم التأثيرات الإسبانية والإيطالية مما سيلي ذكره في مقال مونتي كارلو – مرحبا بالأثرياء
إقرأ المقال علي إضاءات : في «موناكو»: مليونير واحد من بين كل ثلاثة مواطنين
أرجو التعليق فرأيك سيساهم في تطويرمحتوي المدونة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق