مونتي كارلو – مرحبا بالأثرياء

ساحل الريفيرا (3) 

علي بعد دقائق سيرا وعلي الهضبة لموناكو يقع أحد افخم المنتجعات في العالم،  "جبل كارلو" كما سمي تيمنا بمؤسسها شارل الثالث ( 1856- 1889)، وهي أحد أقسام امارة موناكو الأربعة من الناحية الإدارية، وفي القلب من مونتي كارلو يقع الكازينو الذي يحمل اسمه، وهو غني عن التعريف على الأقل لمشاهدي أفلام الأكشن ... فقد ظهر في ثلاثة من سلسلة جيمس بوند وحدها، غير العشرات ربما أخرها فيلم "مونت كارلو" عام 2011، الذي يحكي قصة مجموعة من المراهقين الأمريكيين يدخرون طوال السنة ليحققوا حلمهم في زيارة المدينة.

فنادق ميدان الكازينو

من مرسي اليخوت طريق صاعد الي ميدان مونتي كارلو، يصبحك علي اليسار مجموعة من الفنادق ذات الطرز الكلاسيكية وعلي البمين بانوراما اليخوت الفاخرة حتي تقطع مئات معدودة من الامتار بلا ملل، يسكن هذا القسم بشكل مستمر أقل من أربعة آلاف، أكثرهم موظفو (SBM) مالكة الكازينو وأغلب الفنادق، أما المساكن الممتدة داخل الألب فباهظة الثمن... يملك أغلبها أثرياء ومشاهير من أنحاء العالم يروحون ويجيؤن على مدار السنة.

الطريق الصاعد الي الكازينو

أثري موقع الامارة الفريد في مهب الغزوات الإيطالية والإسبانية تنوعا معماريا فريدا، ثم أتت حقبة السلام على أوروبا    (1879)   بالتأثير الأكبر على المدينة، أبرزها أعمال المعماري الفرنسي “تشارلز غارنييه"، مثل “كازينو مونت كارلو" درة المدينة، ومبني أوبرا مونت كارلو المجاور له (Grand Concert Hall). 

أوبرا مونت كارلو (Grand Concert Hall)

وكذلك أعمال المعماري "ماركيو" بتصاميمه و أشهرها فندق (Hermitage) الذي بناه علي طراز القصور- الصورة. 

وفضلا عن مناخها المتوسطي المعتدل جذبت قوانين الامارة المالية والضريبية أثرياء العالم بأموالهم الي بنوكها حتى وصلت مساهمة القطاع المصرفي في الناتج المحلي 16 في المائة، ومع هذا الزخم تضاعف السكان بوتيرة متسارعة خلقت طلبا مفاجئا على البناء ضغط بدوره على التصميم المعماري، فتري حداثة الطابع كلما توغلت الحافلة في حافة الألب الذي زحف اليه العمران. 

*****

ميدان الكازينو (La Place de Casino)

من قبل اصفرار الشمس حتى بعد منتصف الليل ينجذب من في الامارة كالفراش الي ضوء الكازينو ومحيطه، فلا مكان بالإمارة أجمل ولا آنس منه للمشاهدة المجانية أو لأكثر من ذلك ان سمحت الميزانية، فمن الحديقة المقابلة تري القادمين للسهر والمقامرة. 

شاهد فيديو : ميدان الكازينو بالليل 

السارات الفاخرة تصطف أمام وحول الكازينو 

 

يأخذ النادل السيارات الي المَرْأَب، أما الملفتة منها.. كالبورش والمزاراتي وما شابه فتُرَص عمدا أمام الكازينو للإبهار، فتصيبك عدوي الانبهار الجماعي، حتي ان كنت من أهل الخليج العربي واعتدت هذه السيارات أو حتى تملك مثلها ستفاجأ بنفسك تتحلق مع الناس تلتقط الصور وتغبط أصحابها على حظهم من الدنيا.

حديقة الكازينو مع استعدادات رأس السنة

وان حظيت بطاولة على (Café de Paris) المكتظ فقد تلمح بجوارك وجها سياسيا أو سينمائيا معروفا، ولك أن تطلب كوبا من الشكولاتة أو القهوة الفرنسية...  أما الكازينو فكما قال عنه الشاعر: رأيت يدخله كثيرٌ من النفوس... فينفقون ألافاً من الفلوس. صالة الكازينو الرئيسية

 ولا تحزن ان سالك الأمن عن جواز السفر، فهذا ليس تمييزا ضدك هذه المرة بل لأهل البلدة، فالقانون يمنع عليهم دخول الكازينو والمقامرة.. فرغم أن القمارقد أنقذ اقتصاد الامارة الا أن الأميرة رأت فيه فساداً أخلاقياً يجب ألا يكون متاحاً لسكان الإمارة، ويتندر أهالي البلدة على ذلك بأنها أشبه بشركة تبغ لا تقبل أن يكون موظفوها مدخنين.

مبني الأوبرا في ميدان الكازيو

يضم الميدان بخلاف الكازينو نوادي قمار أصغر ودار الأوبرا ذات النقوش المذهلة والجداريات والتماثيل، بالإضافة الي عدة مباني تلتف حول حديقة النخيل، وكأشعة شمس تشع من الميدان شوارع مشاة لا تقل عنه ابهاراً، تحفل بالماركات الأصلية للأزياء والمجوهرات ... فالمدينة جنة أولئك الذين يفتنون بالأسماء في صناعة الأزياء، مثل هيرميس، لوي فيتون، غوتشي، شانيل، وبرادا... الخ، ولم اسر فيها بالطبع بغية التسوق فهذه المحلات لا علاقة لها بالتخفيضات ولا بجمعة التسوق السوداء، الا أن في موناكو من أمتع الأشياء... أن تري كيف يعيش الأغنياء، فهذا هو المكان الأنسب إذا انتابك حب الاطلاع أن تري بعينك ولم تقنع بالسماع. 

شوارع التسوق في مونت كارلو

وأخيرا... متعة مجانية في بلد الأثرياء هي عبور الشارع، ما أن تضع قدماً لتهم بعبور الطريق... حتى تتوقف السيارات بلا تبرم ولا ضيق، تقف الفيراري والرولز رويس ومحركاتهم دائرة بانتظار وصولك الي الرصيف.  

*****

خاتمة

ورغم أن موناكو ملكية دستورية تقع المهام التنفيذية فيها علي الوزير الأول الا أن حضور عائلة غريمالدي ظاهر في كل مجال وكل نمو، فعلاوة على ما سبق تقام بدعمهم المباشر مجموعة من المعارض والعروض الموسيقية تجعل الامارة لؤلؤة مضيئة بالفنانين والأثرياء طوال العام، بل حتى الشؤن البلدية يضطلع بها ما يسمي "Principality" بدلا من ال "Municipality” في كل بلاد الدنيا... اشارة الي رجوع سلطتها الي الأمير، ومؤخرا ومع ضيق محيط الكازينو بالسائحين تدرس الامارة امتدادا في ردم البحر لإضافة فنادق ومرسي يخوت وزيادة الواجهة البحرية، فربما يري الزائر الدائم للمنطقة في السنوات القادمة مونت كارلو أخري غير التي يعرفها.

موناكو- السبت ٣٠ نوفمبر 2019